تعرض كل صالة من صالات العرض البالغ عددها 11 صالة في متحف قطر الوطني كثيراً من التواريخ المادية للبلاد، وتغطي فترات زمنية ومناطق جغرافية متنوعة. في صالة عرض "الحياة على الساحل"، نتعرف على موقع الزبارة الأثري المدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، والذي كان ذات يوم ميناءً تجارياً مزدهراً معروفاً بصيد اللؤلؤ، والذي تشي بقاياه بتاريخ عظيم.
كثيراً ما يُختزل تاريخ قطر في سرد مبسط بشكل مبالغ فيه، كأن توصف بكونها بنية اقتصادية مدعومة بالكامل من خلال الغوص بحثاً عن اللؤلؤ حتى اكتشاف النفط والغاز في القرن العشرين، أو عاصمة في الصحراء بلا خلفية تاريخية. توضح لنا القصة الكاملة للزبارة ما تركته هذه الروايات، وهي أنها كانت مجتمعاً إسلامياً حضرياً متقدماً تاريخياً وقادراً على الصمود، ومركزاً لتجارة اللؤلؤ وملاذاً ضريبياً، جذب انتباه الإمبراطوريات المجاورة. وقد نجت الزبارة من تهديدات عدة ومن تنافس الإمبراطوريات المجاورة عليها لأكثر من قرن، وأيضاً نموذجاً هاماً للاستقلال السياسي والثقافي والاقتصادي المحلي الذي ازدهر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
بينما ما تزال بعض جوانب تاريخ الزبارة غير واضحة، حدد الأثريون ست مراحل مختلفة من التطور في الموقع. يمكن إعادة أصولها المعروفة الأولى إلى ستينيات القرن الثامن عشر، عندما اتخذت مجموعات قبلية من حول البصرة والكويت "العتوب" اسماً لها بالإجماع. استقروا على امتداد صخري من الأرض عند البحر، فهربوا من الطموحات الإمبريالية المتوسعة لبلاد فارس، وضمنوا استمرار استقلالهم الاجتماعي والاقتصادي. على الرغم من نقص المياه العذبة في هذه المستوطنة، فقد ازدهرت سريعاً وأصبحت ميناءً تجارياً مهماً، وملتقى لتبادل السلع والأفكار بين مختلف المناطق.
بعد الاستيطان الأول، تم توسيع الزبارة بشكل كبير من خلال بناء جدران خارجية للمدينة ومبان كبيرة محصنة، ومساجد، وسوق وتطوير شبكة الشوارع. ويُعتقد أن هذه المرحلة استمرت لمدة 50 عاماً، حتى بداية القرن التاسع عشر.
وكان موقع الزبارة، بصفتها ميناء تجارياً نشطاً، من شأنه أن يعرضها للهجمات المستمرة، وتكشف الحفريات الأثرية والمصادر التاريخية عن دلائل على أن المدينة قد حرقت مرات عدة. لذلك لجأت المدينة إلى الاحتماء بالجدران الحصينة، وظلت صامدة ضد التهديدات التي شكلتها طموحات التوسع الإمبريالي للإمبراطوريات العثمانية والأوروبية والفارسية.
يربط المؤرخون حريقاً كبيراً شهدته الزبارة بالهجوم الذي شنته قوات من مسقط عام 1811، أدى إلى مرحلة الإصلاح وظهور أبنية مؤقتة. في حوالي عشرينيات القرن الثامن عشر، بدأت المنازل الحجرية تحل محل الأبنية المؤقتة، ولكن المستوطنة، التي تضم مجتمعاً صغيراً لصيد اللؤلؤ، لم تصل إلا لحوالي ثلث حجمها الأصلي فقط.
يظهر أن الموقع لم يعد مأهولاً بشكل حضري مع بداية القرن العشرين، حيث تشير البقايا الأثرية إلى أنه كان يُستخدم بشكلٍ رئيسي كمكان للتخييم الموسمي من قبل البدو الرحل.
وعلى الرغم من أن بعض الأعمال الإنشائية أجريت على الموقع بعد فترة الخمسينيات - مثل بناء رصيف وتعبيد طريق - فإن المؤرخين لاحظوا أن المستوطنة كانت في الغالب خاوية. ويكتنف نهاية قصة الزبارة الغموض، وما تزال الأبحاث مستمرة لإيجاد رابط زمني واضح بين الاكتشافات الأثرية والمصادر المكتوبة والتاريخ الشفهي.
ما نعرفه حتماً هو أن حفريات الموقع كشفت عن مستويات عالية جداً من التخطيط الاجتماعي وتنظيم الموارد الطبيعية والبشرية. توحي شبكة الشوارع والتصميم العام للأحياء بوجود نظام تخطيط مركزي. كانت المدينة تمتد في وقتٍ ما على مسافة 1,500 متر من الشمال إلى الجنوب وتصل إلى 650 متر من الشرق إلى الغرب، ويؤكد المؤرخون أنها كانت تضم سكاناً دائمين يتراوح عددهم بين 5,000 إلى 6,000 شخص، ووصل العدد إلى 9,000 نسمة في ذروته، بالإضافة إلى عدد كبير من السكان الموسميين خلال مواسم جمع اللؤلؤ في الصيف.
ويعتبر المؤرخون أن الزبارة شكَّلت خطوةً أساسيةً نحو استقلال العرب في الخليج، وإن قصة المدينة المزدهرة الصامدة المشوقة هي قصة يمكن للزائرين الاطلاع عليها اليوم في صالات عرض متحف قطر الوطني.
تقدم صالة عرض "الحياة على الساحل" نموذجاً كبير الحجم للموقع الأثري، على خلفية فيلم فني من إخراج عبد الرحمن سيساكو، الذي يصوِّر إيقاع الحياة اليومية في الميناء التجاري. وتفتح القطع الأثرية في هذه الصالة نافذة على المدينة التي كانت نابضة بالحياة فيما مضى، وتتنوع القطع ابتداء من الأواني اليومية مثل الأوعية والصحون ومصابيح الزيت، إلى بقايا زينة النوافذ وأوزان الغوص المصنوعة من الحجارة الثقيلة والداكنة.