Insert text here
جميع القصص

الممارسة الفنية لأولافور إلياسون في قطر

آخر تحديث: 29 أكتوبر 2023

أجرى المقابلة: لبنى زيدان

بافتتاح معرض مؤقت يجذب أعداداً هائلة من الزوار وإقامة عمل فني عام دائم سرعان ما أصبح معلماً بارزاً معروفاً، يستخدم أولافور إلياسون منصته لجذب الجماهير وإثارة الاستجابات حول واقع أزمة المناخ.

المشاركة مع صديق

يتجلى معرض "أولافور إلياسون: الصحراء تعانق الخيال" المفتوح للزوار حتى 15 أغسطس في موقعين: عرض داخل متحف قطر الوطني ومعرض خارجي بالقرب من محمية الذخيرة لغابة المنغروف الطبيعية. يدعو العرضان المتكاملان الزوار لرؤية عملية إنشاء الأعمال الفنية، ويدعوانهم للتأمل والتساؤل والمشاركة الفعالة في تشكيل محيطهم الخاص.

بالإضافة إلى المعرض المؤقت، قام إلياسون مؤخراً بتثبيت عمل فني دائم بعنوان "سفر الظلال في بحر النهار" في الصحراء شمال الزبارة، وهو يلهم الزوار بحركة الأرض من خلال تغيرات خفيفة في الضوء تحدث على مدار اليوم.

في هذه المقابلة، يناقش الفنان رؤيته ورحلة إنشاء الأعمال الفنية والتحديات والفرص المتعلقة بإقامة معارض خارجية كبيرة الحجم في بيئة قطر الفريدة.

س: هل بإمكانك مشاركتنا بعض التفاصيل حول نهجك في إنشاء أعمال فنية تركيبية خارجية خاصة بموقع محدد بشكل عام، وكيف استوعبت خصائص البيئة الصحراوية الفريدة في قطر على وجه الخصوص؟

إلياسون: كنت محظوظاً في طفولتي بقضاء إجازاتي الصيفية في استكشاف المناظر الطبيعية المتنوعة في أيسلندا. هذه التجارب الأساسية أدتني إلى فهم أن هذه البيئات، على الرغم من أنها قد تبدو قاحلة، لكنها في الواقع تضج بالحياة وتشكل بذاتها نظماً بيئية معقدة. هذه التجربة ألهمتني لفهم علاقتنا بالمناظر الطبيعية والطبيعة. لفهم تدفق الماء في النهر، على سبيل المثال، كنت أحاول أن أجري بنفس سرعة الماء حتى يبدو النهر كما لو أنه ثابت والمناظر الطبيعية من حوله تتحرك. أثناء التنزه في الطبيعة، حاولت قياس المسافة من خلال ملاحظة سرعة سقوط الماء على الشلالات.

بالنسبة لمعرض "الصحراء تعانق الخيال" في الذخيرة، ألهمتني فكرة إبداع أعمال فنية لا تُقَدَّم ببساطة في موقع طبيعي فحسب– في هذا المعرض، السبخة الرائعة وغابة المنغروف القريبة منها– وإنما تتجاوب وتتفاعل مع خصائص وعناصر الموقع، والظواهر الطبيعية المؤقتة هناك، مثل الرياح ومسار الشمس. بالنسبة لي، هذه العلاقة وهذا التفاعل هو ما يجعل الفن يتجسد ويتكوّن.

إقامة المعرض في الصحراء وتفاعل الأعمال الفنية مع هذا الموقع الطبيعي أتاح فرصةً مميزةً لتوسيع إمكانات الفن في التفاعل مع العالم وتشكيله.

أولافور إلياسون

قمت أيضاً بإنشاء آلات رسم في الصحراء تشبه سجلات الطقس أو تقارير الطقس في منطقة غابة المنغروف. تستخدم آلات الرسم ضوء الشمس القوي المعزز بواسطة كرات زجاجية وحركة الرياح باتجاه الرافعات لرسم علامات على أوراق وقطع قماش دائرية. يمكننا أن نقول بأنها تستخدم بشكل حرفي، ولكن بطريقة فنية مختلفة، اثنين من أهم مصادر الطاقة البديلة والمتجددة لبناء مستقبل خالٍ من الكربون: وهما الرياح والطاقة الشمسية.

insert text here

مرصد رسومات ملح البحر، 2023. الحديد المغلفن، نسيج، مصباح شمسي، لوح طاقة شمسية، بطاريات، حديد مقاوم للصدأ، ألمونيوم، طلاء (أنثراسيت)، محرك، بلاستيك، خشب، لوحات (سوداء، بيضاء) مياه مالحة ملوَّنة (حبر أكريليك أسود وأبيض). أولافور إلياسون: الصحراء تعانق الخيال، بالقرب من الذخيرة شمال قطر 2023. صورة: أنديرس سون بيرغ. بإذن من الفنان: نايغاريمشنايدر، يرلين؛ معرض تانيا بوناكدار، نيويورك/ لوس أنجلوس

الأسلوب الذي اخترته لعرض هذه الأعمال، من خلال تحديث المعرض داخل المتحف بشكل دوري مع إنشاء لوحات جديدة، يجعل عملية إبداع الأعمال الفنية والمعرض مرئية للزوار. كان هذا جزءاً أساسياً من فكرة العرض: تناول عملية إنشاء الأعمال الفنية، أحاول أن أترك للزوار تحديد ما يعتبرونه مهماً في هذه العمليات بالنسبة لهم.

يعكس العمل الفني "سفر الظلال في بحر النهار" في شمال موقع الزبارة الأثري في قطر، إعجابي بالمساحة والزمن في المواقع الصحراوية. تعكس المرايا الدائرية المرتفعة نظراتنا إلى الأرض، وإلى الصحراء تحت أقدامنا، وفي الوقت نفسه تبيِّن حركة الظلال حركة الأرض حول الشمس في كل يوم.

Insert text here

يظهر العمل التركيبي الفني العام الدائم "سفر الظلال في بحر النهار" حركة الأرض حول الشمس، مما يظهر انعكاساً لنسيج الطبيعة. تصوير: إيوان بان، بإذن من الفنان: نايغاريمشنايدر، يرلين؛ معرض تانيا بوناكدار، نيويورك/ لوس أنجلوس

س: ما هي بعض التحديات التي تواجه الفنان في إنجاز مشاريع كهذه؟

إلياسون: اليوم، عندما أخطط لمعرض أو مشروع أو عمل فني كبير، فإنه من مسؤوليتي أن أفكر في التأثيرات البيئية لنشاطي بكل تواضع ومسؤولية. يمكنك أن تسمي ذلك تحدياً، ولكن في رأيي، فإن هذا التحدي بالذات يستحق ذلك العناء. خلال تنظيم معرض "الصحراء تعانق الخيال"، رأيت أن قطر بلداً يمتلك الموارد والتأثير اللازمين للعب دور قيادي في تشكيل الإجراءات المتعلقة بالمناخ في المنطقة. أردت التأكد من أن معرضي يعكس تلك المساعي.

بالنسبة للجزء الخارجي من المعرض، اتخذنا تدابير خاصة لفهم وحماية النظم البيئية في الموقع. بالتعاون مع العالمة البيئية الدكتورة آسبا د. شاتزيفثيميو، قمنا بتغيير الموقع الأصلي للموقع للحد من التلف البيولوجي، ونحن في عملية وضع خطة إصلاح لتحسين الموقع بعد انتهاء المعرض.

أنا وفريقي في الاستوديو أيضاً نعمل على تحليل التفاصيل الدقيقة المتعلقة بلوجستيات إقامة المعرض، ونعمل على هذا المستوى الملموس لتحقيق المزيد من الاستدامة. منذ عام 2020، تعهَّد الاستوديو بإيجاد حلول مستدامة في جميع مراحل عملية إنشاء الأعمال الفنية وعمليات الاستوديو، بما في ذلك تحسين إدارة النفايات، وتقليل نقل المواد من دول أخرى، واختيار مواد مستدامة لإنتاج الأعمال الفنية. نقوم بتتبع أثر الكربون لجميع المعارض ونتعاون مع المصنعين المحليين قدر المستطاع للحد من انبعاثات الكربون. فيما يتعلق بـ "الصحراء تعانق الخيال"، قمنا بإرسال غالبية الأعمال الفنية إلى قطر في شاحنة من برلين بدلاً من الشحن الجوي (تم استبعاد الشحن البحري كخيار بسبب تلويثه للمحيط).

س: ما الدور الذي تعتقد أن الفن يلعبه في زيادة الوعي بالقضايا البيئية، خاصة في المواقع الصحراوية في قطر؟

إلياسون: الفن هو أحد سبل التعامل مع أزمة المناخ، ولكنني أعتقد أنه يقدم لنا ما هو أكبر من مجرد "زيادة الوعي" بقضية ما. إنه لغة فريدة يمكنها إيصال معانٍ متعددة. نحن البشر نفسر المعلومات الجديدة من منظور تجاربنا السابقة والمعرفة التي نحملها، بالإضافة إلى التفكير بشكل معرفي من خلال ما تعلمناه عبر توارث الأفكار الثقافية. أنا مهتم بشكل خاص بتلك التجارب الفنية التي تتحدى حدود اللغة، عندما ننظر إلى عمل فني ويثير بعض العواطف التي لم نعبر عنها بعد بالكلام. في هذا الشعور، قد نشعر أن العمل الفني يستمع إلينا، ونحن نستمع له.

السؤال ليس ما إذا كنا سنتخذ إجراءً أم لا؛ السؤال هو إلى أين نتجه؟ وهل لدينا الشجاعة لأن نكون مسؤولين عن خطواتنا؟

أولافور إلياسون

بعض الأجنحة المؤقتة في غابة المنغروف في الذخيرة تحتضن أعمالاً تعكس القوى الهائلة التي تشكل كوكبنا: البراكين، اختفاء الأنهار الجليدية، وتلوث البترول الناتج عن استخراج الإنسان للوقود الأحفوري. تجمع هذه الأعمال، حديقتك من السبج، حديقتك من الغبار الجليدي، حديقتك من الانسكاب النفطي، مجموعاتٍ صامتة من المواد المرتبطة بهذه القوى الهائلة التي لا يزال لديها الكثير لتخبرنا به.

Insert text here

تجسيداً لجوهر تغير كوكبنا، تبرهن الأجنحة الخارجية لمعرض "الصحراء تعانق الخيال" على القوى العظيمة التي تشكل عالمنا. ومن بينها "حديقتك من الغبار الجليدي". تصوير: أميليا باليت. بإذن من الفنان: نايغاريمشنايدر، يرلين؛ معرض تانيا بوناكدار، نيويورك/ لوس أنجلوس

Insert text here

يعكس العمل "حديقتك من السبج" التداخل المعقد بين الإنسانية والطبيعة. تصوير: أندرس سوني بيرغ. بإذن من الفنان: نايغاريمشنايدر، يرلين؛ معرض تانيا بوناكدار، نيويورك/ لوس أنجلوس

تتناول العديد من أعمالي الفنية، مثل "سلسلة ذوبان الأنهار الجليدية 2019/1999"، الوعي البيئي كمفهوم. عدت لأصور نفس الجليد في أيسلندا الذي وثقته قبل 20 عاماً لهذا العمل، والفرق في حجم الجليد صادم!

Insert text here

في "سلسلة ذوبان الأنهار الجليدية 1999/2019"، يوثق إلياسون التغيرات المرئية التي حدثت في أيسلندا خلال 20 عاماً فقط. العمل الفني التركيبي في متحف قطر الوطني، 2023. تصوير: أندرس سون بيرغ.

الفن يمكن أن يساعدنا على التعامل مع حالات كالإجهاد العاطفي، والشعور بالضياع، من خلال تأمل هذه المشاعر، طرحها، والعمل على معالجتها معاً. يمكن أن يأتي ذلك فيما يتعلق بالطوارئ المناخية التي تواجه العالم أو أي موقف آخر نجد أنفسنا فيه.

س. يتضمن معرض "الصحراء تعانق الخيال" عدة أعمال فنية تركيبية تفاعلية تتطلب من الجمهور المشاركة النشطة. ما مدى أهمية مشاركة الجمهور في عملك؟

إلياسون: أنا مهتم بتصورنا للعالم ومحيطنا من خلال حركتنا ومشاركتنا الفاعلة. ولهذا السبب، تتطلب العديد من أعمالي الحركة لتفهمها؛ كـ "المنارة الحية"، التي تم تثبيتها داخل متحف قطر الوطني، حيث تتحرك ظلال الزوار بين موجات الضوء والألوان، ما يتسبب في انبعاث ألوان وأشكال جديدة في الغرفة. تتحرك الأشرطة الضوئية عبر الجدران والمساحة المحيطة، محوِّلةً قاعة المعرض من مجرد قاعة للفن إلى كيان يستحق الاهتمام والتركيز.

Insert text here

في العمل الفني "المنارة الحية" تتحرك ظلال الزوار بين موجات الضوء والألوان. تركيب فني في متحف قطر الوطني، 2023. تصوير: أندرس سون بيرغ.

هناك من اقترح أنه يمكن تحويل الإجراءات التي نتخذها فيما بتعلق بعالمنا إلى فعل "تعوّلُم". أنا أتعوّلم في يومي: أجرب وأقدم وأفسر. من هذا المنطلق، كل ما نفعله هو فعل. عدم فعل أي شيء هو أيضاً فعل يؤثر بشكل كبير على محيطنا. السؤال ليس ما إذا كنا نتخذ إجراءً أم لا؛ السؤال هو إلى أين نتجه؟ وهل لدينا الشجاعة لتحمل المسؤولية عن خطواتنا؟

س: يمثل الحائط المليء بمواد البحث التي تم تضمينها في المعرض نافذةً شيقة إلى عملية الإبداع ومشاريعك المتنوعة. كيف يرتبط ذلك بالعمل نفسه؟

إلياسون: خريطة البحث تعكس بشكل مذهل عملية الإبداع ومشاريعي المتنوعة، وتوفر نظرة شيقة على هذه العملية. إنها ترتبط بأفكار أعمالي الفنية، سواء بشكل مباشر أو بشكل تجريدي أكثر. بدأت خريطة البحث قبل بضع سنوات مع فريقي لجمع اهتماماتنا وأبحاثنا، وذلك بعد سنوات من استخدام لوحات الدبابيس في الاستديو لإنشاء خرائط ذهنية والمشاركة في جلسات العصف الذهني. ومع مرور الوقت، أصبحت خريطة البحث مساحةً بديلة للسرد والتعبير، حيث تتقاطع المحتويات المتنوعة وتخلق معانٍ جديدة. إنها تستمر في التطور وليس لها بداية أو نهاية، ولا تتطلب قراءتها كاملةً. تكمن إمكانية المشاهد في فقدان واستكشاف أفكار وتأملات غير متوقعة.

مصادر خارطة البحث

س: ما الذي تأمل أن يستخلصه الزوار من تجربتهم في المعرض؟

إلياسون: آمل أن يتيح المعرض للزوار الاستفادة من حواسهم الكاملة لاكتساب المعرفة، والانخراط في تأمل نقدي وإنشاء أفكار جديدة حول القصص التي نعيشها يومياً. يثير حماسي أنني قد أقمت معرضاً يمتد عبر موقعين طبيعيين وثقافيين: المتحف، الذي استلهم من وردة الصحراء، وموقع السبخة الخارجي بالقرب من الذخيرة. تجسِّد الأعمال الفنية التي تحتضنها تلك المواقع الأفكار والأفعال، وتتشابك مع وجود أعمال فنية أخرى. يعتبر توسيع مكان وكيفية تفاعلنا مع الفن أمراً هاماً بالنسبة لي. لذا، إقامة المعرض في الصحراء وتفاعل الأعمال الفنية مع هذا الموقع الطبيعي أتاح فرصةً مميزةً لتوسيع إمكانات الفن في التفاعل مع العالم وتشكيله. آمل أن يتيح المعرض للزوار رؤية هذه المواقع بطريقة جديدة وأن يشعروا بالتمكين من خلال هذه التجربة للمشاركة في صنع محيطهم بطريقة يمكنهم تصورها.

لبنى زيدان هي أخصائي تحرير محتوى أول في متاحف قطر.