tbc

الفن في العمارة العباسية: زخارف سامراء الجصية

18 مارس 2025

سيمون ستورث

هذه اللوحة الجصية السامرائية، المعروضة في متحف الفن الإسلامي، هي تجسيد للبراعة الحرفية التي ميزت التقاليد الفنية المنتشرة في جميع أنحاء الإمبراطورية العباسية.

المشاركة مع صديق

كانت مدينة سامراء الواقعة على ضفاف نهر دجلة (في العراق حالياً) من أكثر المدن تميزاً في عصرها. أسسها الخليفة العباسي المعتصم في عام 221 هـ/ 836 م، وكانت العاصمة المؤقتة للخلافة العباسية حتى عام 279 هـ/ 892 م، عندما عاد الخلفاء إلى عاصمتهم السابقة بغداد.

لقد حوَّل العباسيون مدنهم الجديدة إلى ما يشبه "وادي السيليكون" في عصرنا الحالي. وبفضل الرعاية القوية التي أغدقها الخلفاء العباسيون على العلوم والفنون، تحولت هذه المدن بسرعة إلى مراكز ثقافية وتجارية مهمة اجتذبت العلماء والمفكرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي. حدد العباسيون اتجاهات معمارية وفنية ومعايير علمية جديدة بدءاً من المشاريع الهندسية الضخمة مروراً بالإبداعات الفنية والتكنولوجية وصولاً إلى التطورات العظيمة في المجالات العلمية والمعرفية؛ كما دفعت صناعتهم الفنية الغزيرة إلى ابتكارات تكنولوجية مهمة في صناعات الزجاج والخزف والجص.

tbc

زخارف جصية كجزء من تصميم داخلي معقد. سامراء؛ الحقبة العباسية، القرنان الثاني والثالث الهجريان/ التاسع الميلادي. الصورة: © متاحف قطر / متحف الفن الإسلامي، الدوحة، SW.15.1999 (تفصيل).

ورغم أنه لم يبق اليوم شيء تقريباً من روعة بغداد العباسية، إلا أن موقع سامراء يظل شاهداً فريداً على عظمة البلاط العباسي، ويساهم إلى حد كبير في فهمنا الحديث للفن والعمارة العباسيين.

قدمت لنا الأدلة الأثرية والصور التاريخية الملتقطة والتوثيق الدقيق في الموقع أثناء حملات التنقيب في سامراء قدراً هائلاً من المعلومات حول هذا المقر السابق لسلطة الخلافة. فقد بُنيت في هذه المنطقة بعض أكبر القصور وأكثرها روعة، مصحوبة بحدائق شاسعة ومناطق صيد. كما حددت المئذنة الأيقونية لمسجدي المتوكل وأبي دلف الأسلوب الذي تمت محاكاته وتكييفه في مناطق أخرى بعيدة مثل مصر، كما هو الحال في مسجد ابن طولون مثلاً. وحتى اليوم، تستحضر المباني الحديثة مثل نصب الجندي المجهول في بغداد أو مركز الفنار الثقافي الإسلامي في الدوحة، والتي تعتبر من المعالم الفريدة، ذكريات الماضي العباسي.

سُرَّ من رأى

رغم المدة القصيرة التي كانت فيها سامراء عاصمة للعباسيين، إلا أنها كانت واحدة من أكثر المدن روعة وأهمية في عصرها. زُخرفت قصورها الفخمة ومقارها الملكية ومنازلها الخاصة ومساجدها المهيبة بمواد ملونة فاخرة جُلبت من جميع أنحاء دولة الخلافة التي امتدت من شمال إفريقيا إلى غرب آسيا الوسطى، وقد شكلت هذه الزخارف علامة فارقة في المشهد الحضري لسامراء. كان الجص المنحوت والرخام والعوارض الخشبية المطلية واللوحات الجدارية النابضة بالحياة وترصيعات عرق اللؤلؤ وبلاط الأرضيات متعدد الألوان وزجاج المليفيوري والعناصر الزخرفية الأخرى تُنسق بعناية كجزء من برنامج زخرفي محدد، لاسيما في التصاميم الداخلية للمجمعات الفخمة للخلفاء العباسيين.

أصبحت الأبنية الضخمة والمساحات الواسعة من السمات المميزة للقصور العباسية في سامراء. ومع أن الواجهات الخارجية الرائعة لهذه المباني كانت مرئية للناس، إلا أن دخول هذه القصور ومشاهدة المناطق والتصميمات الداخلية كان محظوراً على العامة ولا يُسمح بدخولها إلا لقلة قليلة من النخبة.

سحر سامراء

ظلت آثار سامراء سليمة حتى أوائل القرن العشرين، عندما قامت حملات التنقيب الألمانية والعراقية بحفر أجزاء من الموقع الضخم. وقد جذبت آثار سامراء، وخاصة الكسوة الجصية الغنية بالزخارف، التي استخدمت كخلفية ثلاثية الأبعاد لتغطية الأجزاء السفلية من الداخل، أكبر قدر من الاهتمام.

قامت المديرية العامة للآثار العراقية بالتنقيب عن هذه القطع تحت إشراف طارق الجنابي خلال عامي 1979 و1982، وهي تنتمي إلى نفس المبنى (البيت رقم 10). ويمكن العثور على قطعة أخرى لها نفس الخصائص في مجموعة ديفيد في كوبنهاغن (43/ 1992).

"النمط المشطوف"

لعبت سامراء دوراً حيوياً في ترسيخ الفن والآثار الإسلامية كتخصص أكاديمي. ويرجع الفضل في هذا إلى عمل عالم الآثار الألماني إرنست هيرتسفلد (1879-1948) الذي قام بالتنقيب في موقع سامراء في الفترة من 1911 إلى 1913 ونشر أجزاء من نتائج أبحاثه في عام 1923.

درس هيرتسفلد اللقى الجصية المكتشفة على أساس معاييرها الأسلوبية الزخرفية وكوحدات مستقلة دون النظر عن كثب إلى التقنيات وتراكيب المواد ووظائفها، أو سياقها الأثري أو حتى الثقافي. ونوَّه إلى أن أسلوباً مميزاً وتقنية نحت جديدة، تستخدم بشكل أساسي في زخرفة الجص، ظهرت في سامراء لأول مرة. واستناداً إلى الخصائص الزخرفية، قسَّم مادة الجص المكتشفة إلى ثلاث فئات (الأسلوب 1 و2 و3، والتي أعاد كريسويل تسميتها لاحقاً بالأسلوب أ، ب، ج) وبدأ نشره بما يسمى "الأسلوب المشطوف" (الأسلوب 1 / الأسلوب ج)، مجادلاً بأن معظم الزخارف الجصية تنتمي إلى هذه الفئة.

tbc

تفصيل من لوحة جصية منحوتة من سامراء، الحقبة العباسية، القرنان الثاني والثالث الهجريان/ القرن التاسع الميلادي. الصورة: © متاحف قطر / متحف الفن الإسلامي، الدوحة، SW.15.1999 (تفصيل).

تنتمي زخرفة هذه اللوحة الجصية إلى ما يُعرف عموماً باسم "الأسلوب المشطوف" المميز لسامراء، والذي يُعتقد أنه انتشر كلغة بصرية جديدة من سامراء إلى مراكز أخرى في الإمبراطورية العباسية. ووفقاً لهرتسفيلد، يتميز هذا الأسلوب المحدد بأشكال هندسية مجردة جديدة بدلاً من الأنماط النباتية والزهرية، وهو محفور بقَطعٍ مشطوف. ومع ذلك، لم يناقش هيرتسفلد تقنية القطع المشطوف متعدد الطبقات - الواضحة على هذه اللوحة الجصية في متحف الفن الإسلامي - ولم تُشاهد حتى الآن إلا على واجهات الجص من سامراء.

زخارف معمارية جدارية تتجاوز حدود التزويق

لقد تمت مناقشة ألواح الجص من سامراء بمعزل عن غيرها، مع التركيز على زخرفتها فقط، دون دراسة التقنيات وتكوين المواد والوظائف أو سياقها الأثري أو حتى الثقافي.

tbc

تفصيل من لوحة جصية تعود إلى القرنين الثاني والثالث الهجريين/ التاسع الميلادي في سامراء. الصورة: © متاحف قطر / متحف الفن الإسلامي، الدوحة، SW.15.1999 (تفصيل).

تشير الأبحاث الجديدة إلى أنه ينبغي اعتبار مادة الجص والقطع المعمارية الأخرى من سامراء جزءاً من قصة سردية أوسع وأكثر عمقاً لناحية تصميمها الداخلي المعقد، والذي يعكس عظمة العصر العباسي وابتكاراته الفنية.

إرث الزخارف الجصية

لقد ترك الفن والعمارة اللذان تم إنشاؤهما في عهد الخلافة العباسية إرثاً هائلاً للقرون التالية، وهذا الإرث لا يزال واضحاً حتى يومنا هذا.

لا يزال الاستخدام التقليدي للجص القائم على الجبس (المعروف محلياً باسم الجص) واضحاً في قطر. تعد الأعمال الجصية المنحوتة فوق الأبواب والألواح الجدارية المزخرفة المستطيلة أسفل مستوى السقف الخشبي عناصر أساسية في زخرفة المنازل والقصور التقليدية، مثل بيت الرضواني والمجمع السكني التاريخي للشيخ عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني في الدوحة. تُعرض بعض النماذج الجصية التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين في متحف قطر الوطني. ولا تزال هذه العناصر المعمارية متداولة ومنتشرة في قطر ودول الخليج الأخرى حتى يومنا هذا.

سيمون ستورث، أمينة قسم الأراضي الإسلامية الوسطى، متحف الفن الإسلامي

شاهدها بأم العين

اكتشف لوحة الجص العباسية الرائعة في قاعة العرض رقم 6 بمتحف الفن الإسلامي. خطط لزيارتك لاستكشاف هذه التحفة الفنية وغيرها من قطع مجموعتنا لمشاهدة جمال وإبداعات الفن الإسلامي المبكر.

خطط للزيارة