واليوم، ما يزال المجلس رمزاً أصيلاً من رموز الهوية القطرية، فهو المساحة التي يجتمع فيها الأهل والأصدقاء لتبادل الأحاديث اليومية، وهو ملتقى للذكر والعبادة، والاحتفال بالمناسبات العائلية والدينية، مثل الأعياد وشهر رمضان المبارك. فيه يُكرَم الضيف، وتدور النقاشات، وتترسخ الأواصر المجتمعية.
ومن خلال الدلال والمباخر والوسائد المطرزة وغيرها من المقتنيات والقطع الفنية المعروضة، تتيح متاحف قطر لزوارها أن يعيشوا تجربة فريدة تحاكي عبق مجالس البيوت القطرية الأصيلة، وتأخذهم في رحلة تستحضر إرث ثقافة قائمة على الألفة والمحبة، ودفء الذكريات، والتناغم مع المواسم والفصول.
الحكمة الخالدة
لم تأت أساليب القطريين للتكيّف مع حرارة الصيف بدافع إيجاد حلول فحسب، بل كانت تجسيداً لحكمة عميقة وفلسفة حياة بسيطة تقوم على الانسجام مع البيئة وتجنب التبذير والإسراف. فالمنازل شُيدت بمواد محلية لتدوم وتُحافظ على اعتدال جوّها، والملابس صُنعت من أقمشة طبيعية وخفيفة لتوفر الراحة وتقي من الحر بأقل قدر من المعالجة، والمجلس كان ملاذاً للتآلف وتشارك المأكل والمشرب، بما أسهم في الحد من الهدر.
فلسفة حياة عكستها تقاليد مجتمع اكتفى أفراده بما كانوا يُرزقون من قوت يوم، وكيّفوا ملابسهم لتناسب تقلبات الفصول، وتقاسموا معاً الطعام والحكاية والمكان.
واليوم، ما تزال تلك الحكمة حاضرة في تفاصيل حياة القطريين، وفي قاعات المتاحف كما في الممارسات الحية. ومع كل صيف يعود، تحمل إلينا هذه المقتنيات والقصص ومضة من عبق الماضي، تذكّرنا بأن ما ورثناه من الأجداد لم يكن مجرد تقاليد، بل بوصلة تُرشدنا إلى أسلوب حياة مستدامة، ونسائم عليلة تُلهم حاضرنا ومستقبلنا.