نبذة عن صالات العرض
التطريز في الحياة اليومية: شهادات على عمل المرأة
يشكّل الثوب الفلسطيني التقليدي جزءاً رئيسيّاً من هويّة المرأة الفلسطينيّة، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياتها اليوميّة، وكان يرافقها في إنجازها لمختلف أنواع المهام. ولذلك تُجسّد "أثواب الحياة اليوميّة" التي يُستهل بها المعرض، ما ينطوي عليه التطريز الفلسطيني من طابع حميميّ وجهد ووقت. أصبحت هذه الأثواب التي رافقت النساء في حياتهنّ اليوميّة بمثابة قطع فسيفساء تحمل آثار أثواب قديمة توارثتها أجيال من النساء، متنقّلة من أم إلى ابنتها ومن أخت إلى أختها ومن قريبةٍ إلى قريبتها، لتصل إلينا اليوم بقُطبها وخيوطها ورقعها والمواضع الممزقة فيها كشواهد مادية على الحياة اليومية في فلسطين أواخر القرن التاسع عشر، وعلى عمل النساء وكدحهنّ، الذي لا أدَلَّ عليه من مواضعٍ يبهت فيها الصباغ النيلي على كتان هذه الأثواب جرّاء تعرّضها الطويل لشمس الحقول التي أمضت فيها النساء سنوات من العمل والكدح مرتديةً هذه الأثواب، وكما كانت الشمس حاضرة لتترك على هذه الثياب علاماتٍ تدلّ على الجهد الذي بذلته النساء في الحقول، فإن أعمال المنزل أيضاً خلّفت أثراً تفصح عنه الرقع والتمزقات للنسيج المهترئ عند موضع الركبتين نتيجة وضعية الجلوس التي لطالما اتّخذتها النساء لتحضير الطعام أو تنظيف البيت، فتلامس أيديهنّ المبللة القماش المطرّز، ليرقّ مع الوقت ويهترئ. وتُشير فتحات صغيرة مرقّعة بعناية عند مساحة الصدر في تلك الأثواب إلى وضعيّة الرضاعة.
تدعونا "أثواب الحياة اليوميّة"، عند قراءة التطريز الفلسطيني، إلى أخذ طبيعته العاطفية ومتعددة الطبقات بعين الاعتبار، فهو عمل لا يمكن اختصاره في لحظة زمنية أو هويّة فرديّة واحدة، بل هو انعكاسٌ لحياة الفلسطينيات في جميع مراحلها.
من ثوب إلى صورة: التطريز باعتباره رمزاً
يمكن تلمّس الصلة الوثيقة بين التطريز ومكانته الرمزية على المستوى المادي الذي تمثله اللغة الداخليّة لوحدات التطريز وأشكاله الزخرفية، التي استُلهمت من مظاهر الحياة اليوميّة والأشكال النباتيّة والحيوانيّة والأحداث السياسيّة.
واكتسب التطريز بعد نكبة عام 1948 معاني فكريّة، وأنشأ نظاماً رمزياً يعبّر عن تراث فلسطين وديمومتها وقوّتها. وانتشرت صور التطريز والنساء اللواتي يرتدين الأثواب المطرّزة على نطاق واسعٍ في الملصقات السياسيّة، في فلسطين وخارجها. وفي سياق مساعي منظّمة التحرير الفلسطينيّة إلى إحياء التراث الفلسطينيّ كأداة للخطاب السياسيّ، جالت معارض التطريز حول العالم، واستُخدمت الأثواب المطرّزة زيّاً لعروض الدبكة، ومثّلت عروض التطريز الدوليّة تلك خلفيات لاجتماعات سياسيّة رفيعة المستوى، مؤدّيةً بذلك نوعاً من الدبلوماسية الثقافية.
وخلال الانتفاضة الأولى ارتدت النساء أثناء المظاهرات أثواباً مطرّزة حملت على صفحتها وحدات التطريز التقليديّة جنباً إلى جنب مع وحدات تطريز أخرى مبتكرة على شكل حمام وبنادق وخرائط وشعارات سياسيّة، فقدّمن بذلك شكلاً جسدياً لمحطّات النضال السياسي.