tbc

فنانات حاضرات في معرض "انتي من روحي قريبه": جميلة الشريم

5 أغسطس 2025

بقلم فاطمة مصطفوي

يضمّ معرض انتي من روحي قريبه: الفن القطري من مجموعة عبد الله بن علي بن سعود آل ثاني، مجموعةً غنية لأعمال فنانات قطريات من أجيال متعددة، من بينهن الفنانة القطرية جميلة الشريم. وفي قادم السطور، تحدثنا فاطمة مصطفوي، القيّمة الفنية لمجموعة فنون الشرق الأوسط وغرب آسيا في متحف: المتحف العربي للفن الحديث، عن أهمية أعمال جميلة الشريم وإرثها الفني، باعتبارها من أبرز الوجوه النسائية التي سطعت في سماء الفن القطري منذ ثمانينيات القرن الماضي.

المشاركة مع صديق

وُلدت جميلة الشريم عام 1965، وبدأ شغفها بالإبداع يتفتح منذ نعومة أظفارها، حين كانت تنسج دُماها بيديها الصغيرتين، وترسم بالطباشير على الجدران والأرضيات كأنها تنقش أحلامها على جدران الطفولة.

وتحمل جميلة في ذاكرتها مشاهد من طفولتها تزهو بألوان الحنين، أبرزها نزهاتها إلى كورنيش الدوحة بصحبة والدها، الذي كان يرشد نظرها الصغير إلى ألوان الطبيعة القطرية الزاهية؛ إلى زرقة البحر وصفرة الرمال، وكأنه يوقظ فيها حسّ اللون وسحر المشهد.

لم تكن رحلة جميلة الفنية محض صدفة، بل صاغها دعمٌ تربوي دافئ، خاصة من الأستاذة ميرفت، التي وجّهتها للالتحاق بالمرسم الحر، ذلك الفضاء الذي احتضن المواهب القطرية في الثمانينيات، ووفّر للفنانين الناشئين الأدوات الفنية والمواصلات، والمخصصات الشهرية، مما خلق بيئة خصبة ازدهر فيها الإبداع وتفتحت فيها طاقات جديدة.

وفي معرض "انتي من روحي قريبه"، يضم قسم "حبات الندى" ثلاث لوحات لجميلة الشريم تكشف عن بداياتها الفنية، وتكشف عن نضجها المبكر في التعبير الفني. أولى هذه الأعمال، "قطر دانة الخير" (1982)، وهي أولى لوحاتها، تصوّر امرأة ترتدي الزي القطري التقليدي، تنظر بتأمل نحو الأفق، في إشارة رمزية بصرية إلى المستقبل. ترى جميلة في هذه الشخصية تجسيداً لطموحات المرأة القطرية، مؤكدةً أن أحلام النساء وعزيمتهنّ مفتاحٌ لتقدّم الوطن.

tbc

قطر دانة الخير، 1982، ألوان زيتية على لوح خشبي، 50 x 70 سم.

وخلف هذه المرأة، يقف غواص لؤلؤ، يمثل الماضي، وتستحضر فيه الفنانة الإرث البحري والاقتصادي لدولة قطر.

وقد احتوت الفنانة المشهد كله داخل ظلّ صدفة محار، رمز الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، تتوسط خلفية بحرية هادئة بألوان زرقاء عميقة، تعكس سكون البحر وامتداد الذاكرة. في هذه اللوحة، تؤكد جميلة أهمية التمسك بالهوية الثقافية، حتى في خضمّ التحديث والتطوير.

أما لوحة النصر (1984) فهي شهادة حية على بطولة الشعب القطري خلال معركة الوجبة التاريخية عام 1893. واستلهمت جميلة العمل من صورة مؤثرة رأتها ذات مرة، فأعادت إحياء المشهد بضربات فرشاة ديناميكية ومعبرة. تجسد اللوحة خيولاً تركض بسرعة ورجالاً مسلحين متزاحمين، مما ينقل شدة المعركة ويثير شعوراً عميقاً بالوحدة والقوة الجماعية.

tbc

النصر، 1984. أكريليك على قماش، 65 × 55 سم.

عمل آخر من أعمال شريم المبكرة نراه حاضراً في المعرض، وهو لوحة "المقهى الشعبي" (1986)، التي تبدو كأنها لقطة من مشهد أكبر. تصور اللوحة ثلاثة رجال يجلسون في مقهى شعبي تقليدي في حيٍ قديم، وخلفهم تتجلى ملامح العمارة القطرية الأصيلة، بينما تتجول ثلاث معاز بِحُرية في أزقة الحي، مما يضفي على المشهد حميمية الحياة اليومية. يقدّم التكوين لمحة ساكنة تستحضر نبض الحياة المجتمعية في قطر الماضي، بما فيها من دفء وحنين.

tbc

نخيل، 1988. ألوان زيتية على قماش، 50 × 40 سم

وتتجلّى الرمزية في عملها "نخيل" (1988)، وهو من أبرز لوحاتها المبكرة في مجموعة عبد الله بن علي بن سعود آل ثاني. تقدم فيه الفنانة مشهداً مقرباً لجذعين صغيرين من شجر النخيل، رمزاً للصمود والحيوية المتأصلة في الأرض والهوية. وتغمر اللوحةَ ألوانٌ تعكس حسّاً مستقبلياً ممزوجاً بالغموض، في توليفة لونية تفتح أفقاً للتأويل والتأمل.

هذه الأعمال لا تسلط الضوء على بدايات جميلة الشريم الفنية فحسب، بل ترصد كذلك ملامح السياق الثقافي والاجتماعي للمرأة القطرية في ثمانينيات القرن الماضي. ومع باقي الأعمال المعروضة، يشكل هذا المعرض نافذة ثرية على مرحلة محورية في التاريخ الفني والاجتماعي لدولة قطر.

فاطمة مصطفوي، القيّمة الفنية لمجموعة فنون الشرق الأوسط وغرب آسيا في متحف: المتحف العربي للفن الحديث، والقيمة الفنية لمعرض "انتي من روحي قريبه".