tbc

نور الدين أمير و"الحوارات السبعة": لقاء إبداع التشكيل مع المهارة الحرفية

13 مايو 2025

أجرى المقابلة: فريندا أبيلاش

في هذا الحوار، يستعرض الفنان والمصمم المغربي البارز نور الدين أمير رؤاه حول البراعة الحِرفية المغربية، والآفاق الواسعة التي يفتحها التعاون مع الحرفيين المحليين، وانطباعاته عن عرض عمله في الدوحة، والذي كُلف به خصيصاً لمعرض "روائع الأطلس: رحلة عبر تراث المغرب" المقام في متحف الفن الإسلامي.

المشاركة مع صديق

س: كيف تصف رؤيتك الفنية ومسيرتك الإبداعية؟ وما هو تأثير المغرب في تشكيل نظرتك إلى الحِرفية؟

نور الدين أمير: ولَهي بالطبيعة دفعني تلقائياً إلى استكشاف المواد الخام، وتأملها وصياغتها بأسلوب شاعري إلى أن تبوح لي عن قوامها، ودقائقها، وأسرارها الكامنة. فكل عنصر طبيعي يحمل في طياته حكاية وذكرى أسعى لإحيائها في أعمالي.

بدورها، منحتني الحرفية المغربية أداة تعبير فريدة؛ جسراً يربط بين عراقة التقاليد وإحساسي الفني الخاص. وبواسطتها، استطعت تحويل هذا الشغف بالطبيعة إلى أعمال فنية وأشكال تجسد عمق ارتباطي ببيئتي وتقديري البالغ لإبداع الحرفيين الذين ورثوا فنونهم عبر الأجيال.

tbc

العمل التركيبي للفنان نور الدين أمير في معرض "روائع الأطلس"—إعادة تقديم الحرفية المغربية الأصيلة في قالب معاصر. الصورة: وضحى المسلم، بإذن من متاحف قطر ©2024

س: كيف يتلاقى عالما الفن والأزياء في أعمالك؟ وهل طرح مشروع "الحوارات السبعة" كجزء من معرض "روائع الأطلس" تحديات فنية مغايرة لتلك التي اعتدت عليها في مسيرتك كمصمم أزياء؟

أمير: ترتكز أعمالي في عالم الأزياء على استكشاف المواد والأشكال، لكن الشكل هنا تمليه حتماً حدود الجسد البشري. إذ لا بد أن تتلاءم كل قطعة مع قوام معين، وتنسجم مع خطوطه، وتخدم غرضاً عملياً.

أما في مشروع "الحوارات السبعة"، فقد اختلف النهج جذرياً، متمحوراً حول ابتكار أشكال حرة تماماً، دون أي مرجعية سابقة أو إطار محدد مسبقاً. كان ذلك يعني البدء من العدم، من التجريد المطلق، وهو ما شكل تحدياً أكبر بكثير ولكنه منحني أيضاً إحساساً بالحرية لم أعهده من قبل. دفعتني هذه العملية إلى إعادة تقييم علاقتي بالفضاء والأبعاد والمواد، وتحرير ذاتي من القيود التقليدية لتصميم الأزياء.

في مشروع "الحوارات السبعة"، اختلف النهج جذرياً، متمحوراً حول ابتكار أشكال حرة تماماً، دون أي مرجعية سابقة أو إطار محدد مسبقاً. كان ذلك يعني البدء من العدم، من التجريد المطلق، وهو ما شكل تحدياً أكبر بكثير، ولكنه منحني أيضاً إحساساً بالحرية لم أعهده من قبل.

نور الدين أمير

س: ما هو الإلهام الذي يقف خلف "الحوارات السبعة"؟ وكيف تبلورت رؤيتك للأعمال الفنية التي تشكل هذا العمل التركيبي؟

أمير: هدف هذا المشروع هو الارتقاء بالحرفية من إطار الصنعة الماهرة إلى عوالم الفن والابداع. ولتحقيق هذه الغاية، سعيت إلى نسج حوار خفي بين تقنيات الصناعة التقليدية المتوارثة، وبراعة الحرفيين، والمواد المستخدمة، والتشكيلات البصرية الناتجة. هذا التفاعل أتاح لي الغوص في مناطق إبداعية جديدة، حيث لم تعد المكونات مجرد أدوات أو قطع زينة، بل أصبحت أعمالاً فنية لها سرديتها المؤثرة ورسالتها الإبداعية. هذا الحوار المتناغم بين الفن والحِرف دفعني إلى إعادة استكشاف حدود كل منهما، وتعمُد إذابة ما يفصل بينهما.

tbc

يتضمن هذا العمل التركيبي الذي كُلف به الفنان نور الدين أمير سبعة إبداعات فنية، تجسد مدى أهمية الحرفية المغربية التقليدية للفنان. الصورة: وضحى المسلم، بإذن من متاحف قطر ©2024.

س: في عملك "الحوارات السبعة"، تحقق توازناً بين الأصالة المغربية والابتكار المعاصر. كيف تجلّى تعاونك مع الحرفيين المحليين، وما الأهمية التي لعبتها مهارتهم الحرفية في إنتاج العمل التركيبي بصورته النهائية؟

أمير: مثّل التوفيق بين دقة عمل ورشات صناعة الأزياء الراقية والتعامل مع مواد أكثر صلابة وجموداً مغامرة حقيقية، سواء بالنسبة لي أو للحرفيين. فالأزياء الراقية تعتمد على ليونة النسيج وتكيفه مع منحنيات الجسد، بينما فرضت هذه المواد الجديدة تحديات من نوع آخر. كان علينا أن نخرج بتقنيات جديدة كلياً، وأن نعيد توظيف خبراتنا الحالية في سياقات مختلفة، وأن نعيد تصور طرق يدوية تقليدية لنمنحها وظيفة جديدة. هذه التجربة فتحت أمامنا آفاقاً إبداعية واسعة، وشجعت الحرفيين على استكشاف حدود قدراتهم، واستكشاف كيف يمكن إعادة تأويل المادة لإنتاج أشكال جديدة.

س: أضاء معرض "روائع الأطلس" على مناظر المغرب الطبيعية وتاريخه وحرفه وثقافته. كيف يثري عملك الفني هذا السياق من وجهة نظرك؟

أمير: أرى في هذا العمل تجسيداً مركزاً لهويتي الثقافية، وتقديماً جديداً للحرفية المغربية في قالب معاصر. تعكس "الحوارات السبعة" مسيرتي الإبداعية، وعميق ارتباطي بالمهارات التقليدية، وطموحي لتطويرها ضمن رؤية فنية. يحمل كل جزء في هذا العمل الفني بصمة من تاريخي الشخصي مع الفن والصناعة التقليدية المغربية، وهي علاقة تشكلت عبر سنوات من البحث والتجربة.

tbc

اقترن العمل التركيبي أيضاً بإبداع صوتي أصلي للملحنة سوسان ديهيم، ليخلق بذلك حواراً بين الصوت والمادة. الصورة: وضحى المسلم، بإذن من متاحف قطر ©2024.

س: يقترن العمل التركيبي الذي كُلفت به خصيصاً للمعرض بإبداع صوتي أصلي للملحنة سوسان ديهيم. كيف تؤثر ثنائية الفضاء والصوت على تفاعل الجمهور مع عملك الفني؟

أمير: تمثل الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من عملية الإنتاج الإبداعي في مسيرتي، فهي ترافقني في جميع المراحل، وتلهم رؤيتي للشكل والمواد والإيقاع. في هذا العمل تحديداً، تحضر الموسيقى بقوة منذ البداية وحتى النهاية، لتخلق حواراً حيوياً بين الصوت والمادة. تمتلك الموسيقى القدرة على تضخيم الأحاسيس، وتوسيع قدرة المتلقي على إدراك الأعمال الفنية، والانغماس به في تجربة حسية شاملة. وهكذا تتحول إلى عنصر سردي، يوجّه الرواية التي يقدمها العمل ويزيد من تأثيره.

س: بعد أن أصبح هذا العمل التركيبي جزءاً من مقتنيات متاحف قطر، ما الذي يعنيه هذا لك وكيف تتوقع تفاعل الجمهور في قطر وخارجها مع عملك؟

أمير: أن يحظى عملي الفني لأول مرة بتقدير متحف متخصص بالفن العربي والإسلامي إنما هو شرف عظيم لي. إنه اعتراف بالغ الأهمية، ليس بجهودي الفردية فحسب، وإنما أيضاً بثراء الفن المغربي وإمكاناته الابتكارية. يبرهن هذا أن للحرفية التقليدية مكانة مرموقة ضمن المؤسسات التي تعنى بالفن المعاصر والتاريخ الثقافي. لقد شكل هذا المعرض علامة بارزة في مسيرتي الفنية وعزز إيماني بأهمية صون تراثنا الحرفي وتجديده.

لقد شكل هذا المعرض علامة بارزة في مسيرتي الفنية وعزز إيماني بأهمية صون تراثنا الحرفي وتجديده.

نور الدين أمير

س: ما هو الوقع الذي تأمل أن يكون "الحوارات السبعة" قد تركه في نفوس زوار المعرض؟

أمير: أتمنى أن يكون الزوار غادروا وقد تشكلت لديهم نظرة جديدة للفن المغربي المعاصر. كان طموحي أن أقدم لهم تجربة غامرة يلتقي فيها الأصيل بالحديث، وتنخرط فيها الحرفية في حوار مع التجريد، وتطل فيها ذاكرة الخبرة العريقة والمتوارثة متطلّعة نحو المستقبل. فإذا كان هذا العمل قد أيقظ فضولهم، وأثار مشاعرهم، ودفعهم إلى التأمل في ثراء موروثنا الثقافي، أكون قد بلغت مُرادي.

س: ما هي أهم الخلاصات التي خرجت بها من هذه التجربة الإبداعية؟

أمير: من أهم ما خرجت به من هذه التجربة هو النظر إلى العمل الفني كوحدة كيانية متماسكة، وفهمه كقطعة فنية فريدة ومنسجمة الأجزاء. كل مكون من مكونات العمل يساهم في تحقيق رؤية كلية، حيث تتلاقى الأشكال، وتتفاعل المواد، وتتمازج الأصوات في وحدة لا تنفصم. إنه ليس مجرد تجميع اعتباطي لعناصر منفصلة، بل عمل فني خُطط له بعناية فائقة، حيث صُمم كل تفصيل ليتكامل مع العمل في صورته النهائية.

لقد كان المعرض أيضاً تجربة تبادل ثقافي وفني غنية لي شخصياً. فقد أتاح لي فرصة رؤية عملي الفني من منظور خارجي والتفاعل مع جمهور شغوف بالفن. وكانت فرصة قيمة لمشاركة رؤيتي الإبداعية وكذلك للاستفادة من آراء الآخرين، واكتشاف مقاربات وأحاسيس فنية متنوعة.

ڤريندا أبيلاش، منسقة تحرير محتوى في متاحف قطر.