txt

رسالة من القيمة الفنية لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال"

12 أغسطس 2025

بقلم لينا رمضان

في هذه الرسالة، تصحبنا القيّمة الفنية لينا رمضان في جولة نطّلع من خلالها على خلفيات إطلاق معرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال"، والمنهجيات التي اعتمدتها لمقاربة أول معرض متحفي شامل يستعرض مسيرة هذه الفنانة القطرية الرائدة.

المشاركة مع صديق

حينما جمع الشاعر السعودي عبد الله بن ردّاس قصائد النساء في كتابه "شاعرات من البادية"، لم يكن غرضه من ذلك أن يقدّم فعلاً تدوينياً أرشيفياً، بل كان، كما تصفه الباحثة منيرة الغدير، فعلَ تخليد في الذاكرة. لم يكتفِ الشاعر بتدوين قصائد الشاعرات البدويات، بل ذكر أسماءهن، وأنسابهن، وأماكن نشأتهن، ليضمن لهن الحضور في الذاكرة، لا في المدونات الشعرية وحسب.

هذه الفكرة (الذاكرة بوصفها بادرة شعرية وسياسية في آنٍ معاً) كانت منطلق مقاربتي لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". لم يكن هدفي أن أقدّم جرداً أرشيفياً، ولا استعادةً تعريفية لمسيرتها، بل أن أقترح فضاءً للتلاقي من جديد مع تجربة فنية عصيّة على التصنيف، ولم تُشبَع تأملاً نقدياً، رغم ما تحمله من أصداءٍ ما تزال حيّة في حاضرنا.

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

txt

منظر لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال". الصورة: بإذن من متحف: المتحف العربي للفن الحديث 2025©

اقتضى العمل على هذا المعرض تواصلاً وثيقاً مع أسرة وفاء الحمد، والعودة إلى أرشيفها الشخصي، بما في ذلك الاطلاع على أطروحتها للدكتوراة، التي مثّلت نقطة تحوّل أساسية في بلورة الإطار المفاهيمي للمعرض.

تتنقل أعمال وفاء بسلاسة بين التجريد الروحاني، والتجريب الحروفي، وتكوينات فضائية تحاكي الحلم، غالباً ما تستلهم العمارة والمناظر الطبيعية في الخليج، لكنها تنفتح في الآن ذاته على تساؤلات ميتافيزيقية أوسع. واهتمامها بزخارف "المفروكة" الإسلامية، وتجاربها الرقمية، واستحضارها النص القرآني ضمن بناء بصري متناغم، ليست محطات منفصلة في مسارها، بل تجليات متلاحقة لمسار واحد من البحث البصري والمفاهيمي.

وأنا سعيدة بالعمل مع فريق رائع، من بينهم مصمم المعرض وقاص فريد، الذي أسهمت حساسيته الاستثنائية تجاه رؤية وفاء في ترجمة أعمالها إلى تجربة مكانية مؤثرة، وموي لين يوان، التي قدّمت مجموعة الأرشيفات المتنوعة بطريقة نابضة بالحياة..

في كلمات مديحة عمر، الفنانة الرائدة في حركة الحروفية، وجدت ما يؤكّد انتماء وفاء الحمد إلى سلالة فنية من النساء العربيات اللواتي خضن تجارب تجريدية متقدمة عند تقاطع الشكل والخط والتصميم. ومثل مديحة، كانت وفاء أيضاً في تناغم ووفاق مع التحولات التعبيرية الكامنة للأشكال والخطوط. ولم يكن انشغالها بالخداع البصري ابتغاءً لحيل توهم العيون، بل سعياً لاستكشاف مدى قدرة الإيقاع، والزخارف الهندسية، والتصاميم التقليدية الإسلامية على فتح بوابات إلى العوالم الميتافيزيقية والشعرية.

وكما كتبت مديحة عمر: "لا أحد ينكر القيم النغمية [في التصميم]... تلك العبقرية الفذّة. إن التوازن الدقيق بين العناصر المجردة الحرة والعناصر الرياضية لهو توازن صوفيّ."

شكلت هذه الرؤية إحدى ركائز المقاربة التي اعتمدتها في تقييم المعرض، لا بوصفها تفسيراً موضوعاتياً، بل باعتبارها وسيلة لتقفّي أوجه التشابه والترابط بين أجيال، ووسائط، وسياقات متباينة.

انقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام حسب الموضوع: أعمالها المبكرة وأعمال الوسائط المختلطة التي تعكس رؤية وفاء المستقبلية؛ ثم أعمال متجذّرة في الذاكرة والأشكال الموروثة، كما تظهر في الأبواب التقليدية؛ وأخيراً أعمال تُقيم حواراً مع الحداثات الفنية الإقليمية ضمن مجموعة متحف، بما فيها أعمال فاطمة المحب، وبلقيس فخرو، ونزيهة سليم، وسامية حلبي. ومن رسومها الأولى إلى تجاربها الرقمية المتأخرة، تدعو ممارسة وفاء الحمد الزوّار إلى فضاءات تنفتح فيها الأشكال المألوفة على التجريد والحميمية والاحتمال.

ويدعو المعرض أيضاً إلى إعادة النظر في السردية التي نقدمها عن الفنانات في الخليج، باعتبارهن جزءاً من العالم العربي وهويته.

تمثّل وفاء الحمد أيضاً أنموذجاً مهماً لفنانين من قطر ممن تتحدى أعمالهم القراءات الضيقة لتاريخ الفن في المنطقة. فهي تطرح ممارسات فنية تدعونا من خلالها إلى تبني حداثات بديلة متأخرة تشكّلت من رحم التجريب المحلي والرؤية الذاتية.

ويُجسّد معرض "جغرافيا الخيال" منهجية متحفية تستند إلى البحث المستمر، والذاكرة الحية، وإلى علاقة وثيقة مع تجربة الفنانة، وهو لا يطمح إلى استعادة ممارسات فنية فيّاضة لم يسلّط عليها الضوء الكافي فحسب، بل إلى الاحتفاء بها، وبالأصوات الحيوية التي تمثلها.

لينا رمضان

قيّمة فنية وكاتبة

txt

لينا رمضان، القيّم الفني لمعرض "وفاء الحمد: جغرافيا الخيال" الصورة: بإذن من بدر العطية

لينا رمضان هي قيّمة فنية ضيفة في متحف: المتحف العربي للفن الحديث. حررت لينا كتاب "جنون الأنثروبوسين: التفكير مع التصور"، وهو منشور تجريبي يضم أعمال فنانين معاصرين من منطقة الشرق الأوسط. وهي حالياً طالبة دكتوراة في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا.

المراجع

الغدير، منيرة. "تواريخ بدوية: تأملات في شعر المرأة البدوية من منطقة الخليج". نساء الخليج، تحرير أميرة الأزهري سنبل، 125–146. سيراكيوز: مطبعة جامعة سيراكيوز، 2012.

المناعي، خ. م. ع. العشر الأوائل من رائدات الفن التشكيلي في قطر. الدوحة: المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث، 2008.

عمر، مديحة. "الخط العربي: عنصر استلهام في الفن التجريدي" (1949– 1950). وثائق أولية: الفن الحديث في العالم العربي، تحرير أنيكا لينسن، سارة روجرز، وندى شبوط، 139–142. نيويورك: متحف الفن الحديث، 2018.