TBC

لؤي كيالي: سوريا بالفرشاة والألوان

14 يناير 2025

بقلم آرثر دبسي

شكلت سوريا وشعبها محور اهتمام أعمال الفنان الراحل لؤي كيالي، وكان شغوفاً بتصويرها في أعماله، كما يتجلى الأمر في هذه اللوحة المعروضة ضمن المجموعة الدائمة في متحف: المتحف العربي للفن الحديث.

المشاركة مع صديق

وُلِد لؤي كيالي في حلب عام 1934، وأقام أول معرض فردي له وهو ابن 18 ربيعاً فقط. وتشتهر أعماله بفن رسم الشخصيات (بورتريه)، حيث صوّر الناس خلال فترة من التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها سوريا أثناء تحوّلها إلى دولة حديثة ومستقلة. ولم يكن الفنان يكتفي برسم أشكال الناس، بل كان يسعى إلى التقاط عواطفهم ومكنوناتهم الداخلية.

بعد استقلال سوريا عن فرنسا عام 1946، اتخذت الحركة الفنية الحديثة في البلاد اتجاهاً قومياً، وخاصة بعد اتحاد سوريا ومصر لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة عام 1958. وابتعد الفنانون من كلا البلدين عن التقاليد الفنية الأوروبية، وركزوا على خلق أعمال تعكس الواقع الاجتماعي في البلدين.

أظهر كيالي مهارة كبيرة في الرسم، وخاصة من خلال أسلوبه الفريد الذي يعتمد على الخطوط البسيطة والخلفية الخشنة. وقد استخدم هذا الأسلوب لتصوير السوريين في حياتهم اليومية، كما يظهر في لوحة السيدة الغريبة أرليت أنوري (1962). وسواء كانوا من الطبقة العليا أو الطبقة العاملة، فقد تعامل كيالي معهم جميعاً على قدم المساواة في أعماله الفنية.

Louay Kayyali

لؤي كيالي، السيدة الغريبة أرليت أنوري، 1962. مواد متنوعة على لوحة قماشية؛ 195.3 × 85.5 سم.

في لوحة "القارئة" (1960)، يرفع كايالي من شأن امرأة عادية مجهولة الهوية من خلال إحاطتها بضوء ذهبي دافئ، وكأنه يمجدها. هذه اللوحة جزء من سلسلة مبكرة من اللوحات التي صور فيها أشخاصًا منخرطين في فعل القراءة.

تشغل المرأة مساحة اللوحة بأكملها، وتظهر مرتاحة ومتكئة على وسادة برتقالية بينما تقرأ بهدوء. وقد اختار الفنان أن يرسم شخصًا عاديًا في مساحته الخاصة، حيث يظهر فستانها الأزرق المنزلي البسيط هذه الخصوصية. كما تظهر المرأة منغمسة بعمق في القراءة، دون تكلف في اتخاذ وضعية معينة او ارتداء ملابس رسمية، وذلك على عكس الشخصيات البارزة الأخرى في المجتمع السوري التي صورها كيالي في أعماله الأخرى.

tbc

لؤي كيالي (1934 – 1978 حلب). القارئة، 1960. ألوان زيتية على لوحة قماشية؛ 124.5 × 104 سم.

ورغم أن مشهد "القارئة" يبدو واقعياً وعادياً، فإن الفنان أضاف بعض الخيال إلى التركيبة. إذ تبدو الشخصية وكأنها تطفو، كما أن أبعاد قدميها ويديها مبالغ فيها، مما يضفي على اللوحة لمسة سريالية. يذكرنا هذا الأسلوب بالجداريات المكسيكية، التي تتميز بأشكالها وأبعادها الجريئة والمعبرة.

وفي عام 1960، وفي إنجاز مهم في مسيرته الفنية، شارك كيالي في الدورة الثلاثين من بينالي البندقية، ممثلاً سوريا إلى جانب نظيره وعملاق حركة الفن الحديث السوري، فاتح المدرس.

بحلول ذلك الوقت، أصبح كيالي شخصية بارزة في تطوير الفن الحديث والمشهد الثقافي في بلاده. ترك وراءه مجموعة غنية من الأعمال الفنية، التي تناولت موضوعات متنوعة، مثل لوحات الطبيعة الصامتة للزهور، والمناظر الطبيعية السورية المختلفة بما فيها مدينة معلولا المسيحية القديمة، فضلاً عن مزيد من الأعمال التي تصور أهل سوريا أنفسهم.