tbc

خلف الكواليس: نافذة على حياة مرمم المقتنيات

18 فبراير 2025

بقلم الدكتورة ستيفاني كافدا

ترافقنا الدكتورة ستيفاني كافدا، رئيسة قسم الترميم وحفظ المقتنيات في متحف: المتحف العربي للفن الحديث، في رحلة تكشف لنا فيها خبايا العمل الدؤوب الذي يُبذل للحفاظ على الأعمال الفنية وترميمها.

المشاركة مع صديق

مهنة الترميم قد تبدو غامضة لغير المختصين، وهذا ليس مفاجئاً.  قد يجد المرمم نفسه تارةً على سقالة عالية وهو يُرمم سقف كنيسة بيزنطية قديمة، وتارةً أخرى في مختبر مُجهز بأحدث التقنيات يُحلل قطعاً معدنية أثرية تعود إلى العصر الأموي. ومن أخْذِ عيّنات صغيرة من لوحات فان جوخ لتحليلها كيميائياً، إلى استخدام الليزر لإزالة التلوث عن تماثيل الكارياتيدات، وصولاً إلى ضخ الهواء في منحوتة بقر البحر للفنان جيف كونز؛ هكذا تتنوع وتتبدل المهام في حياة مرمم المقتنيات.

tbc

معالجة تدخلية للوحات في مختبر الترميم في متحف. الصورة: بإذن من أرشيف الترميم بمتحف.

ما هو الترميم وحفظ المقتنيات؟

بشكل عام، الترميم وحفظ المقتنيات هو ممارسة متعددة التخصصات تهدف إلى حماية الأعمال التراثية والثقافية من التلف والتدهور المستقبلي، وكذلك الحفاظ على قيمها التاريخية، والجمالية، والمادية، والثقافية. تشمل هذه الممارسة المعالجة التدخلية والرعاية الوقائية، من خلال الفحص، والتوثيق، والترميم، والصيانة، والعرض، والتخزين.

من المفاهيم الخاطئة الشائعة عن دور المرمم هو أنه "يعيد الأشياء إلى حالتها الأصلية وكأنها جديدة". والحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فأخلاقيات مهنة الترميم تقوم على مبدأ أساسي وهو أن يكون التدخّل قابلاً للعكس أو الإزالة، وألا يطغى على الجماليات الأصلية للعمل الفني، بل ويكون في بعض الأحيان غير مرئي تماماً، أي يبقى خلف الكواليس. هذا يُحتّم أن تكون المواد والتقنيات المستخدمة في أي عملية ترميم قابلة للإزالة في المستقبل، حتى لا تُعيق عمل المرممين اللاحقين. لذا، يُعد تحقيق مبدأ "الترميم غير المرئي" أحد أهم التحديات التي تواجه المرممين.

التحدي يكمن في قدرة المرممين على تأويل جميع الجوانب المتعلقة بالعمل الفني لفهم قيمه و"إصلاحه"، لكن هذا التأويل، وأي تدخل ناتج عنه، يحمل بالضرورة قدراً من التحيز.

tbc

صورة تظهر عملية إعادة تلميع منحوتة معدنية خارجية في موقعها في لوسيل. الصورة: بإذن من أرشيف الترميم في متحف.

كيف تجري عملية الترميم؟

قد يعمل المرمم بمفرده في المختبر، بغرض إصلاح لوحة أكريليك أو تجميع قطعة خزفية مكسورة. لكن العديد من مشاريع الترميم تتطلب عملاً جماعياً، وغالباً ما تُنفَّذ في مواقع العمل وتستغرق سنوات لإنجازها. على سبيل المثال، مشروع ترميم كنيسة سيستين، تطلب فريقاً كبيراً من المرممين، وعملاً مُنظَّماً على مراحل، وامتد عقداً كاملاً. يتطلب عمل الترميم في كثير من الأحيان تعاوناً بين المرممين، حيث يجتمعون معاً لمناقشة تفاصيل المشروع ووضع الخطط اللوجستية اللازمة. ويزداد هذا التعاون أهميةً في المشروعات الكبيرة، كترميم الأعمال الفنية الضخمة أو التركيبات المعقدة التي قد تتكون من آلاف العناصر.

يضطر خبراء الترميم باستمرار إلى البحث عن حلول وسط لتحقيق توازن بين درجة الحرارة المثالية للمقتنيات (والتي يتطلب الحفاظ عليها عادةً ظروفاً أبرد نسبياً) وبين الحرارة التي تناسب راحة الزوار، أو بين مستويات الإضاءة المنخفضة الضرورية أيضاً للحفاظ على الأعمال الفنية والكافية ليتمكن الزوار من جميع الأعمار من الاستمتاع بهذه الأعمال.

tbc

صورة تُظهر عملية تركيب أحد المعارض في متحف، بالتعاون مع الفنان. الصورة: بإذن من أرشيف الترميم في متحف.

ما هي طبيعة عمل فريق الترميم وحفظ المقتنيات في متحف؟

يؤدي فريق الترميم وحفظ المقتنيات في متحف دوراً حيوياً في الجهود المستمرة للحفاظ على مقتنياته الفريدة. يُساهم المرممون في العديد من الأنشطة اليومية للمتحف، بدءاً من تقييم حالة الأعمال الفنية ومعالجتها سواء كانت مُخصصة للعرض أو التخزين أو الإعارة، مروراً بإدارة بيئات العرض والتخزين، ووصولاً إلى تقديم المشورة بشأن متطلبات العرض والتعبئة.

خلال كل هذه المراحل، يجري تنفيذ أعمال الترميم وحفظ المقتنيات بالتعاون الوثيق مع مختلف الأقسام في متحف، بما في ذلك مؤرخي الفن، والقيمين الفنيين، والفنانين، ومتخصصي المعارض، وأمناء السجلات، ومسؤولي إدارة الأعمال الفنية، والفنيين، وفريق المرافق، والمصممين، وغيرهم.  هذا العمل الجماعي هو حجر الزاوية في نجاح متحف، ويُساعده على مواصلة جمع المقتنيات الفنية القيمة والحفاظ عليها، والاحتفاء بالفن العربي الحديث والمعاصر.

لمزيد من القصص عن متحف، يرجى زيارة صفحة "قصصنا" على الموقع الإلكتروني.

الدكتورة ستيفاني كافدا رئيسة قسم الترميم وحفظ المقتنيات في متحف: المتحف العربي للفن الحديث.