تعد إعارة الأعمال الفنية للمتاحف والمعارض الدولية من أهم ركائز الرسالة التي يحملها متحف: المتحف العربي للفن الحديث، فهي تُتيح لجمهور عالمي أوسع الاطلاع على الفن العربي الحديث والمعاصر وتذوق جمالياته. لكن خروج الأعمال الفنية من قاعات متحف عملية تنطوي على بعض المخاطر، خاصة أثناء النقل، الذي قد تتعرض فيه القطع الفنية لخطر التلف أثناء الشحن. هنا يأتي دور فريق الترميم في متحف، والذي يقدم ما يلزم من دعم لتتم عملية النقل بالسلاسة المطلوبة.

إضاءة على حفظ المقتنيات: جهود الحفاظ على لوحة "تكوين" (1968) لمحمد المليحي في رحلتها إلى الخارج
25 مارس 2025
الدكتورة ستيفاني كافدا
في هذا الإصدار من سلسلة إضاءة على حفظ المقتنيات في متحف، تستعرض الدكتورة ستيفاني كافدا، رئيس قسم الترميم وحفظ المقتنيات في متحف: المتحف العربي للفن الحديث، خبايا العمل الدؤوب والشغف الكبير الذي يحيط بجهود الحفاظ على واحدة من اللوحات التي لها مكانة خاصة في مجموعة متحف الدائمة.

يظهر في الصورة خلفية القماشيتين مع دعاماتهما الخشبية الإضافية (إطارات الشد).
عمل فني بعنوان "تكوين" للفنان محمد مليحي.
يظهر في الصورة المنظر الأمامي للوحة الأكريليك التي يحيط بها إطار من الخشب الطبيعي، وفي الثانية تظهر خلفية القماشيتين مع دعاماتهما الخشبية الإضافية (إطارات الشد).
عُرض عمل الفنان محمد المليحي "تكوين" (1969)، وهو من مقتنيات متحف الدائمة، في بينالي البندقية الستين، المقام في أواخر عام 2024، تحت عنوان "الأجانب في كل مكان". وقبل البدء بنقل العمل الفني إلى البندقية، قام مرمم مختص في متحف بإجراء فحص دقيق له في مختبر الترميم بالمتحف، وهنا كانت المفاجأة.
تتكون لوحات الأكريليك الحديثة عادة من قماشة مثبتة على إطار شد (الدعم الثانوي) يحيط بهما إطار حماية، لكن فحص حالة لوحة "تكوين" كشف أنها تتكون من قماشتين موصولتين ومؤطرتين معاً. وكلتا القماشتين الكتانيتين مشدودتان ومدبّستان على إطار شد منفصل.

نموذج لإطار شد فاصل مصنوع من الخشب يحيط بإطار من الألومنيوم، ومثبت بمسامير يمكن تعديل شدها أو فكها باستخدام أداة خاصة (الجانب الأيسر).
تتأثر لوحات القماش الكتانية بشدة بتقلبات نسبة الرطوبة في الهواء، والتي قد تؤدي إلى ارتخاء القماش وتلف طبقة الطلاء. لذا، يُعد شد القماش أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على اللوحات. ولهذا السبب، طور المرممون تقنية لضبط الشد من خلال معالجة ترميمية دقيقة ومبضعية، تتضمن إزالة الدبابيس وفصل اللوحة عن إطار الشد، ثم إعادة شد القماش وتدبيسه مرة أخرى.

عملية إعادة شد القماش على إطار شد جديد من الألومنيوم داخل مختبر الترميم (الجانب الأيمن).
كان من المقرر أن تُنقل اللوحة خلال رحلتها من الدوحة إلى البندقية من مختبر الترميم (حيث الظروف المناخية مثالية) إلى جمارك المطار، ثم على متن طائرة في رحلة مدتها ثماني ساعات إلى ميلانو، لتمر عبر الجمارك مرة أخرى، ومنها إلى شاحنة في رحلة مدتها ثلاث ساعات إلى ميناء البندقية، حيث ستُحمل على قارب صغير مفتوح ليأخذها عبر قنوات البندقية إلى موقع البينالي. بعبارة أخرى، كانت اللوحة ستتعرض لجميع العناصر والظروف التي لا ينبغي أن تتعرض لها: تغيرات الطقس الشديدة، والصدمات، والاهتزازات، والمياه.
آخذاً بعين الاعتبار قابلية العمل الفني للتلف واحتمالات تعرضه لتغيرات مناخية مفاجئة أثناء النقل، ارتأى المرمم ضرورة تثبيت اللوحة عن طريق استبدال إطارات الشد بدعامتين جديدتين أكثر صلابة بتقنية متطورة، وهي إطارات الشد الفاصلة المصنوعة من الألومنيوم والخشب. تتميز هذه الدعامات الجديدة بإمكانية تعديل شدها أو فكها بسهولة عدة مرات، مما يتيح التحكم في شد القماش وارتخائه، وهو أمر لم يكن ممكناً في السابق.

ظهر اللوحة وقد غُطي بلوح دعم من البولي كربونات، لتوفير حماية إضافية أثناء النقل والتحميل.
خضعت اللوحة لعملية تنظيف دقيقة، تضمنت إزالة الغبار باستخدام فرشاة ومكنسة كهربائية خاصة بالمتاحف، بالإضافة إلى استخدام مذيبات عضوية لإزالة الأوساخ المستعصية. كما جرى ترميم الخدوش ومناطق الطلاء المتضررة باستخدام ألوان مائية. وفي المرحلة الأخيرة، رُشت اللوحة بطبقة رقيقة من الورنيش، وغُطي ظهرها بلوح واقٍ لحمايتها من التلف الناجم عن الارتجاج والصدمات والغبار والرطوبة أثناء النقل والتحميل. نجحت عملية الترميم والحفظ هذه في تحسين مستوى شد القماش، بما يضمن الحفاظ على اللوحة على المدى الطويل، وقدمت حلاً قابلاً للعكس يتيح إعادة ضبط الشد عند الحاجة. والأهم من ذلك، فقد أصبحت لوحة "تكوين" أكثر استقراراً من الناحية الهيكلية، على نحو يضمن سلامتها أثناء نقلها وعرضها في البندقية.
لمزيد من القصص من متحف، يرجى زيارة صفحة قصصنا.
* ملاحظة: جميع قاعات العرض الدائمة في متحف مغلقة حالياً تمهيداً لاستضافة عرض جديد في ربيع هذا العام.