txt
جميع القصص

ثقافةٌ وإيمان وروابط: عندما يصبح الطعام نافذتنا لاستكشاف العالم الإسلامي

24 يونيو 2025

أجرى المقابلة: فريندا أبيلاش

في هذا الحوار، تحدثنا الدكتورة تارا ديجاردان، القيّمة الفنية لمعرض "مقعد على المائدة: ثقافة الطعام في العالم الإسلامي" في متحف الفن الإسلامي، وتدعو الزوار للانطلاق في رحلة يستكشفون عبرها الروابط العميقة بين الطعام والعقيدة والثقافة والمجتمع في أرجاء العالم الإسلامي، ويتعرّفون كيف يمكن أن يكون الطعام نافذة حيّة تقرّبنا من فهم أعمق للتاريخ وحياة الشعوب.

المشاركة مع صديق

س: من أين استوحيتم فكرة هذا المعرض، ولماذا يُعد الطعام وسيلة مهمة لفهم العالم الإسلامي؟

الدكتورة تارا ديجاردان: استوحينا الفكرة من معرض نظمته ليندا كوماروف، رئيسة قسم فنون الشرق الأوسط الإسلامية في متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون، والذي كان يحمل عنوان "مآدب السلاطين"وافتُتح في لوس أنجلوس عام 2023.

بادئ الأمر، تبادلنا الآراء حول إمكانية التعاون معها، سواء من خلال استضافة معرضها هنا أو إعارة بعض مقتنياتنا له. ولكن مع تفشي جائحة كوفيد، توصلنا في النهاية إلى قناعة بأنه، وعلى أهمية معرضها، فإن مجموعتنا هنا فريدة من نوعها، كما أن الطعام يمثل قاسماً مشتركاً عالمياً يجذب شرائح واسعة من الناس. وبما أن مجتمع دولة قطر ذا طابع دولي وثراء ثقافي، فقد رأينا أنه من الأجدر تقديم رؤية تعكس صورة جمهورنا المحلي وتلامس خصوصيته عبر باقة متنوعة من الفعاليات والمحتوى، وأن نضفي على المعرض لمسة عصرية.

س: هلا أخذتنا في جولة تعريفية عبر أقسام المعرض الخمسة؟ وما هي السردية التي ترويها معاً؟

س: كيف يتناول المعرض دور الولائم في الحياة السياسية والاجتماعية، وخصوصاً من خلال قسم "مآدب السلاطين"؟

ديجاردان: يقارب قسم "مآدب السلاطين" هذا الدور بأسلوب غير مباشر، فيترك مهمة السرد لمجموعة فاخرة من المعروضات التي صُنعت على الأرجح للطبقة المخملية أو للاستخدام الملكي.

حملت الولائم دلالات سياسية، فالدعوة إلى مائدة السلطان كانت تترافق بمراسم احتفالية مهيبة، مع ضرورة الالتزام التام بقواعد اللياقة وآداب الضيافة المتبعة في البلاط. ولم يتجلى ذلك في لباس المدعوين وحسب، بل وفي ترتيب تقديم الضيافة والأطباق. كان الجانب السياسي حاضراً بقوة في كل هذا، ولكل بلاط مجرياته المتسلسلة، وآدابه التي يجب اتباعها، وقواعده الواجب احترامها. لكن الولائم تحديداً اتخذت طابعاً رسمياً ومحسوباً بدقة، حتى باتت السمة المميزة التي منحت كل بلاط هويته الخاصة في تلك الفترة.

س: يضم المعرض مقاطع فيديو لطهاة يعدون أطباقاً مستوحاة من تقاليدهم، فكيف تربط هذه المقاطع بين الماضي والحاضر؟

ديجاردان: من بين الأهداف الرئيسية لهذا المعرض هو إدخال عنصر معاصر، وقد رأينا أهمية التأكيد على أن فن الطهي ممارسة حية ومتجددة، وأن الطهاة اليوم لا ينفكّون يستكشفون تقنيات وأطباقاً ووصفات جديدة، لكن كثيرين منهم يستلهمون الماضي، سواء بإضافة لمسة عصرية على وصفة قديمة أو باتباع وصفات وكتب طهي عتيقة ربما يناهز عمرها الخمسمائة عام. كما أردنا وسيلة للاحتفاء بالطاهي نفسه، فإبراز العنصر الإنساني في معارض تركّز على التاريخ والقطع الأثرية ليس بالأمر الهين، لكن الطعام أتاح لنا فرصة رائعة لتقديم سردية تربط الماضي بالحاضر. وقد رأينا منذ البداية أن استضافة طهاة يمثلون مناطق مختلفة من العالم لم نعرض مقتنيات منها، ستكون وسيلة رائعة لتوسيع آفاق السردية التي نقدمها عن العالم الإسلامي.

alt text

صورة: شيخة أحمد علي، بإذن من متاحف قطر ©2025

س: كيف يستعرض المعرض دور قطر في تشكيل ثقافة الطعام، سواء من منظور تاريخي أو من خلال التأثيرات المعاصرة؟

ديجاردان: يتناول المعرض هذا الدور من خلال ثلاثة أقسام، أولها قسم "الخبز والملح"، والذي يفتح نافذة على المجتمعات المحلية عبر مجموعة من الأفلام التي توثّق تقاليد إعداد الخبز في ثقافات مختلفة. ومن بين هذه الأفلام أيضاً، نعرض عملاً للفنانة القطرية عائشة المهندي، التي صورت عدستها مخبزاً قديماً في منطقة مدينة خليفة بالدوحة. يحمل الفيلم طابعاً شخصياً للغاية، إذ كان ذلك المخبز جزءاً من حياة أسرتها اليومية، ووجهتهم الصباحية لشراء الخبز الطازج.

وفي القسم الثالث، نكشف عن شواهد أثرية لأربعة أصناف غذائية هي: بذور الشعير، والقمح، والتمر، والباذنجان، والتي استُخرجت من أحد مواقع الحقبة العباسية المبكرة في شمال قطر، مما يضفي رابطاً تاريخياً جميلاً يُحيي الماضي في الحاضر.

ثم نصل إلى القسم المعاصر، الذي يحمل دائماً نكهة خاصة لأنه يتحدث عن قطر مباشرة، وبالنسبة لي، حين أتولى التقييم الفني لأي معرض، أحرص على تضمين ما أسميه "الرابط القطري" فيه. يستكشف هذا القسم أهمية الزراعة المستدامة كمنطلق لحوار أوسع، ويستخدم مثالاً كيف دفعت الظروف التي أعقبت حصار قطر عام 2017 إلى تبني الاكتفاء الذاتي في الغذاء والتنمية الزراعية، مما أبرز للثقافات والمجتمعات الحاجة الملحة إلى تعزيز الاعتماد على الذات ولأسباب شتى، من الاقتصادية إلى البيئية. وقد رشح لنا مركز التصوير الفوتوغرافي في كتارا نخبة من المصورين الذين تجولوا في إحدى مزارع قطر العضوية، "حينة سالمة"، والتقطوا صوراً حية لممارساتها الزراعية، وقد أضفنا هذه اللمسات البصرية إلى المعرض لننقل الرؤية الفنية لهذه الممارسات من خلال عدسة المصورين.

س: تجربة إعداد الخبز واحدة من أبرز العناصر الغامرة في المعرض. كيف أعددتم لهذا الجانب التفاعلي؟

txt

صورة: شيخة أحمد علي، بإذن من متاحف قطر ©2025

ديجاردان: كان هذا القسم ممتعاً لأنه يأخذك في جولة خارج أروقة المعرض إلى قلب المجتمع المحلي. وقد اعتمدنا فيه على التوصيات الشفهية واستكشاف الأماكن التي لفتت انتباهنا أثناء تجولنا في الدوحة. فالمخبز الأفغاني، على سبيل المثال، هو مخبز صغير وبسيط، يعمل فيه صاحبه منذ عقود. ينتج هذا المخبز حوالي 3000 قطعة خبز يومياً، معظمها للعمال الوافدين الذين يبدأون بالتوافد إليه منذ ساعات الفجر الأولى. وقد رافقنا أخصائي الأفلام في متحف الفن الإسلامي الذي صوّر مجموعة متنوعة من اللقطات، ثم سلمناها إلى فريق الإنتاج الذي عمل على نسج هذه اللقطات في قصة الغاية منها مغازلة المشاعر والوجدان والذاكرة.

ولإضفاء بًعد آخر على التجربة الحسية، أضفنا في القسم الثالث، "مكونات رحّالة"، محطات تنبعث منها روائح لستة أنواع من التوابل، مصحوبة بخريطة تتتبّع رحلتها عبر القارات، ما جعل منه ركناً ممتعاً آخر للأطفال والعائلات لاستكشاف التوابل بطريقة تفاعلية. ونحن نعتز بوجود العديد من العناصر التفاعلية في المعرض، والتي تعاونا فيها منذ البداية مع إدارة التعليم وتوعية المجتمع في متحف الفن الإسلامي؛ بهدف ضمان تلبية احتياجات جميع الزوار، ومن جميع الأعمار. تشمل هذه العناصر وسائل تفاعلية متنوعة لا تقتصر على الشاشات لعرض الأفلام، بل تتضمن أيضاً محطات حسية مخصصة للأطفال. كما يضم المعرض شاحنة طعام ضخمة تقدم تجربتين تفاعليتين للأطفال، أولاهما فيلم يعلمهم أساسيات التغذية وكيفية تحضير طبق صحي، والأخرى مساحة ممتعة للعب بأدوات الطهي.

س: تزداد أهمية الاستدامة وثقافة الطعام يوماً بعد يوم. هل يضيء المعرض على هذه الجوانب؟

ديجاردان: نعم، بالتأكيد. هذا ما نركّز عليه تحديداً في القسم الخامس تحت عنوان "شخصيتك في طبقك" من خلال شاحنة الطعام، التي تمثل بدورها وسيلة تفاعلية للأطفال. كما يحمل القسم رسالة مفادها أننا قضينا زمناً طويلاً نتناول فيه الأطعمة المصنّعة، والمعلبة، والمجمدة، والوجبات الجاهزة للاستخدام في الميكروويف، وغيرها مما لا يزال يعتمد عليه الناس إلى يومنا هذا. ثقافة الوجبات السريعة تًعدّ جزءاً كبيراً من هذا المشهد، إذ تقدم المطاعم خيارات غذائية رخيصة يسهل الحصول عليها. ولكن ما هو تأثير هذه العلامات التجارية على المجتمعات والبيئة؟ ناهيك طبعاً عن أثرها على صحة الفرد! من خلال التفكير في أساليب الزراعة والاعتماد على المصادر المحلية، يمكننا اتخاذ قرارات شخصية تحدث فرقاً ولو كان صغيراً. أعتقد أن الهدف هو توعية المجتمعات والأفراد بأن تبني هذه التغييرات البسيطة يمكن أن يحدث تأثيراً إيجابياً طويل الأمد في هذا العالم.

alt text here

متحف الفن الإسلامي، الدوحة/ قطر. صورة: © كريسوفالانتيس لامبريانيديس

س: إذا كان لكِ أن تختاري تحفة أو تجربة واحدة لا يجب على الزائر تفويتها في هذا المعرض، فماذا ستكون؟

ديجاردان: هناك عدة زوايا في هذا المعرض تبعث في نفسي فخراً خاصاً. أجد البذور الأثرية آسرة حقاً. لقد كان هذا أول تعاون لنا مع إدارة الآثار في متاحف قطر، وقد أبدع روب كارتر وفريقه في إبراز جمال هذه المستكشفات. كما أنني مفتونة بستارة الخيمة البديعة في القسم الرابع، "مآدب السلاطين"، وهي عبارة عن قطعة قماشية لخيمة مغولية، قادمة من شمال الهند، وتعود على الأرجح إلى القرن الثامن عشر، وهي تُعرض للمرة الأولى. وهناك أيضاً جرة ضخمة ومذهلة من الهند، يُقدر بأنها صُنعت أواخر القرن السادس عشر أو أوائل القرن السابع عشر. وبحكم تخصصي في الحقبة المغولية وولعي بجنوب آسيا، فإن هذه المقتنيات تستحوذ على اهتمامي بلا شك. هناك أيضاً طبق خشبي كبير رائع مطلي بالورنيش ويحمل نقشاً لسفينة، ونعتقد أنه يعود إلى أوائل القرن السابع عشر، في عهد السلطان أكبر، وقد حددنا ولاية غوجارات، شمال غرب الهند، كموقع لصناعته. هناك بالفعل العديد من القطع التي أراها في غاية الجمال، وآمل أن يشاركني هذا الشعور الزوار والباحثون الذين سيأتون لاستكشاف المعرض.

س: ما الذي تأملين أن يخرج به الزوار من هذا المعرض؟

ديجاردان: أتمنى أن يشعروا أنه ممتع ونابض بالحياة، وأن يكتشفوا كيف يمكن للطعام أن يوقظ فينا أحاسيس متنوعة. هناك البعد البصري بلا شك، ولكن هناك أيضاً الجانب الاجتماعي الذي يدفعنا للتفكير والتأمل في قواسمنا المشتركة أكثر من اختلافاتنا. فالطعام في نهاية المطاف قاسم مشترك يوحد البشر، وجميعنا نعي أهميته وندرك قيمته.