Massimiliano Gioni talking to a group of visitors in a gallery, standing in front of Jeff Koons' painting Triple Popeye

جيف كونز: الفن والجمهور وإثارة الجدل

8 فبراير 2022

مقابلة مع ماسيميليانو جيوني

اصطحبنا ماسيميليانو جيوني، أمين معرض "جيف كونز: تائه في أميركا"، مؤخراً في معرض الفنان في الدوحة وقدم لنا نظرة من خلف الكواليس عن الحياة المهنية لأحد أهم الفنانين المعاصرين في العالم، وأجاب عن أسئلتنا حول حضور الفنان وتأثيره، وعن الصدى الذي أحدثه المعرض على الساحة الدولية.

المشاركة مع صديق

س: يتناول المعرض فكرة الثقافة البصرية الأميركية. فكيف يمكن نقل هذه الفكرة إلى الجمهور في الدوحة؟

ماسيميليانو جيوني: كان للثقافة الأميركية تأثير هائل (جميل وإشكالي على حد سواء) على الثقافة العالمية. حيث انتشرت بشكل مذهل وبسلاسة كبيرة. وتعد أميركا، إلى حد ما، جزءاً من الهواء الذي نتنفسه، فتجدها في كل مكان، في الأفلام والتلفزيون، وفي طعامنا وملابسنا. وحتى لو قرر أحدنا رفض هذا التأثير، فإنه لن يتمكن من إنكار إدراكه ما يميز الثقافة البصرية الأميركية.

تعد مغناطيسية الثقافة البصرية الأميركية جزءاً من عمل جيف كونز، فهي بارزة في أعماله، وهذا أحد جوانب عمله الذي اعتقدنا أن استكشافه سيكون مثيراً للاهتمام في هذا المعرض. ويمكن للمتجول في المعرض والمتأمل في هذه الأعمال، رؤية رحلة الفنان خلال بحثه عن صوته ومساحته الخاصة في الثقافة الأميركية. حيث يشكل المعرض قصة استيعاب الثقافة المرئية والاستقلال عنها التي ولد جيف كونز وترعرع فيها.

من يملك ويشكل الذوق؟ من الذي يحدد ما هو مقبول ومناسب جمالياً أو حتى أخلاقيا؟

ماسيميليانو جيوني

A stainless steel sculpture of a rabbit in the style of a balloon figure, placed atop a white pedestal in a gallery

جيف كونز (أميركي، ب 1955). أرنب، 1986. فولاذ مقاوم للصدأ؛ 104.3 × 48.3 × 30.5 سم. مجموعة خاصة. الصورة: متاحف قطر © 2022

A large, multicoloured stainless steel sculpture of a party hat sitting on its side in a gallery

جيف كونز (أميركي، ب 1955). قبعة حفلات (وردية)، 1994-2019. فولاذ مقاوم للصدأ مصقول كالمرآة، ومطلية بطلاء شفاف؛ 251.8 × 339.4 × 296.2 سم. مجموعة خاصة، بإذن من معرض بيس. الصورة: متاحف قطر © 2022

س: يشكل الحجم جانباً مهماً من عمل جيف كونز. فكيف ترى تأثير ذلك على تجربة الجمهور؟

جيوني: جاليري الرواق مميز جداً، ولم تعرض أعمال كونز من قبل في مساحة كبيرة جداً كهذه، حيث يضم الرواق صالات عرض واسعة ومتصلة. في مساحة العرض المركزية، والتي يقترب طولها من طول ملعب كرة قدم، يمكن للزائر إلقاء نظرة سريعة على مسيرة فنية تمتد أكثر من 40 عاماً، ابتداء من الأرنب الأسطوري، وهو أحد أشهر الأعمال الفنية لجيف كونز، إلى أحدث قبعات الاحتفالات، والتي ستعرض لأول مرة في هذا المعرض.

ويمثل تسلسل الأعمال في صالات العرض الثلاثة الرئيسية انفجاراً في الأشكال والألوان، أشبه بمشهد باروكي كبير أو مدينة غريبة منبثقة من السراب. أما بالنسبة للمشاهد، فيشعر بتأثير هذه الأعمال من الناحية المادية قبل كل شيء: حيث تكون المقارنة مع جسده. وفي الوقت نفسه تمثل فرصة غير عادية لمشاهدة الطريقة التي حوّل بها جيف كونز هذه الأعمال من منحوتات صغيرة إلى معانٍ كبيرة.

أمام منحوتات كونز، نشعر وكأننا منمنمات صغيرة أو أقزام، أو كأننا مُختزلون في النسخة الطفولية من أنفسنا. قد يجد بعض الناس هذه التجربة أمراً طفولياً، وقد يجدها آخرون تجربة تحرّرية، وقد تكون النشوة والسعادة التي يشعر بها الناس، بمجرد رؤيتهم قطعاً معينة، بمثابة دليل على هذا الحماس الطفولي الذي تنتجه أعمال جيف كونز.

س: سبق وتحدث جيف كونز عن كونه يرى الفن حواراً مع الجمهور. ما الذي يجعل فنه جذاباً جداً؟

جيوني: ما على المشاهد سوى رؤية انعكاسه على أسطح أعمال جيف كونز (وهي تجربة أساسية لجميع القطع في المعرض تقريباً) لفهم أن منحوتاته لا تنبض بالحياة إلا عندما يخطو المشاهد أمامها. فعندما نرى انعكاسنا على سطوحها، وانعكاس المشاهدين الآخرين، فإننا نشارك في طقوس معاصرة من الرؤية والتأكيد والنرجسية. تتصرف منحوتات جيف كونز بطريقة ما وكأنها كاميرات، حيث تلتقط وجودنا وتضاعفه.

زوار داخل صالات معرض جيف كونز: تائه في أميركا

جيف كونز (أميركي، ب 1955). إلى اليسار: كلب البالونات (برتقالي)، 1994-2000. فولاذ مقاوم للصدأ المصقول كالمرآة، ومطلي بطلاء شفاف، 307.3 × 363.2 × 114.3 سم. مجموعة مغربي. إلى اليمين: Play-Doh 1994-2000. ألمنيوم متعدد الألوان 315 × 386.7 × 348 سم. مجموعة خاصة. الصورة: متاحف قطر © 2022

س: أعرب جيف كونز عن رغبته في صناعة فن يمكن لأي شخص فهمه والتفاعل معه، لكنه قال أيضاً إن بعض الناس يسيؤون تفسير العمل. فهل هناك تناقض؟

جيوني: شأنه شأن العديد من الفنانين العظماء الذين سبقوه، يتمتع كونز بهذه القدرة على أن يكون مشهوراً ومفهوماً، ومتصلاً بالمُشاهد، لكن في الوقت نفسه ما يزال عمله يثير أسئلة مهمة جداً في مجالي الثقافة وتاريخ الفن المتخصص. وهذا توازن لم يستطع كثير من الفنانين تحقيقه، وهو أيضاً سبب تجاوز أعمال جيف كونز حدود الحقل الفني ووصولها إلى المتلقي العادي. كل هذا يشي بقدرة أعماله على أن تكون معقدة وبسيطة في الوقت نفسه، فهي سهل ممتنع، تصلح للنخبة والمشاهد العادي.

من يملك ويشكل الذوق؟ من الذي يحدد ما هو مقبول ومناسب جمالياً أو حتى أخلاقيا؟ هذه هي الأسئلة المركزية التي تعالجها أعمال جيف كونز. وهي أسئلة أساسية تتصلح للفلاسفة والجمهور العام، لأننا جميعاً نحاول فهم احتياجاتنا ورغباتنا، وربما الاطمئنان إلى أن أذواقنا وشهيتنا وأشد مشاعرنا سرية، وهو أمر يستحق الاستكشاف والاحتفاء به.

س: ما هو دور الجدل في فن جيف كونز وفي الفن بشكل عام؟ وهل هو مفيد؟

جيوني: لا أعتقد أنه يمكننا الحكم على الفن فقط على أساس الجدل، لا سيما في الوقت الحاضر حيث من السهل إثارة الجدل بمساعدة وسائل الإعلام ويمكن إثارته للوصول إلى غايات خاصة تماماً. من ناحية أخرى، يمكن القول إن الجدل قد يكون بمثابة اختبار حقيقي لقدرة بعض الأعمال الفنية أو الفنانين على تحقيق إعادة توزيع كاملة للقيم والتسلسل الهرمي والأذواق.

هناك بعض الأعمال الفنية التي ما تزال قادرة على إثارة أزمة وشكوك عميقة، وتثير التساؤلات حول ما هو مناسب ومنطقي، وما هو مسموح به، وما هو مقبول. وحين يكون الجدل نتيجة لا هدفاً رئيسياً للعمل الفني، تصبح الأمور أكثر إثارة ، على ما أعتقد.

ماسيميليانو جيوني هو المدير الفني للمتحف الجديد في مدينة نيويورك.